لعقود، اشتبه العلم في أن البشرية تطورت جنبًا إلى جنب مع التغيرات المناخية في العام الماضي. الآن، أظهرت دراسة نشرها فريق دولي من العلماء أن هذه التقديرات كانت صحيحة. بعد تحليل البقايا الأحفورية والتحف الأثرية، تمكن الخبراء من إنشاء محاكاة حاسوبية غطت آخر مليوني سنة من تاريخ مناخ الأرض. في هذا النموذج، تمكنوا من رؤية كيف عاش البشر القدماء.
من أجل تحليل هذا التطور من وجهة نظر المناخ والأنثروبولوجية والبيئية، استخدم العلماء في معهد العلوم الأساسية في دايجون، كوريا الجنوبية، حاسوبًا خارقًا يسمى أليف، وهو أحد أسرع الحواسيب في البلاد. بعد العمل بدون توقف لأكثر من 6 أشهر، تمكن الباحثون من وضع اللمسات الأخيرة على نموذج المناخ الشامل الأكثر شمولاً حتى الآن.
وقد ربطت آلية فهم هذا الوضع الفترات والأماكن التي يعيش فيها البشر، بناءً على السجلات الأثرية. وبهذه الطريقة، تمكن العلماء من ربط الظروف البيئية التي تفضلها المجموعات المختلفة من أشباه البشر وكيفية تكيفهم مع الموارد الغذائية المختلفة. كانت المجموعات التي تم تحليلها: الإنسان العاقل، هومو نياندرثالينسيس، هومو هايدلبيرجينسيس (السكان الأفارقة والأوراسيين)، والإنسان المنتصب والإنسان الأفريقي (هومو إرجاستر وهومو هابيليس).
قال أكسل: «على الرغم من أن مجموعات مختلفة من البشر القدماء فضلوا بيئات مناخية مختلفة، إلا أن جميع موائلها استجابت للتغيرات المناخية الناجمة عن التغيرات الفلكية في تمايل وإمالة وغرابة الأطوار المدارية لمحور الأرض بمقاييس زمنية تتراوح من 21 إلى 400،000 سنة». تيمرمان، المؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في مجلة Nature.
وبالمثل، أشار مدير مركز IBS لفيزياء المناخ (ICCP) في جامعة بوسان الوطنية، كوريا الجنوبية، إلى أن «هذه النتيجة تعني أنه على مدى 500,000 عام الماضية على الأقل، لعب التسلسل الحقيقي لتغير المناخ الماضي، بما في ذلك الدورات الجليدية، دورًا مركزيًا في تحديد المكان الذي تعيش فيه المجموعات المختلفة من أشباه البشر و مكان العثور على رفاتهم».
ذكر باسكوالي رايا، الأستاذ في جامعة نابولي فيديريكو الثاني (إيطاليا) والذي قدم الدراسة، مع فريقه البحثي، بالبيانات الأحفورية البشرية والتحف الأثرية، أن الخطوة التالية هي تحليل «ما إذا كانت موائل الأنواع البشرية المختلفة تتداخل في المكان والزمان»، حيث أن مناطق الاتصال بين هذه المجموعات في الماضي «توفر معلومات حاسمة عن حالات الخلافة المحتملة و مخاليط الأنواع».
من المناطق التي تم فيها الاتصال بتطورات بشرية مختلفة، صنع الخبراء شجرة عائلة من البشر. وبهذا المعنى، تمكن العلماء من تحديد أن «إنسان نياندرتال وربما دينيسوفان مشتقمن من «كليد» الأوراسي من Homo heidelbergensis منذ حوالي 500-400 ألف سنة»، في حين أن أصل «الإنسان العاقل يعود إلى جنوب إفريقيا والسكان من أواخر Homo heidelbergensis، حوالي 300،000 سنة».
وقال جياويانغ روان، المؤلف المشارك للدراسة وزميل ما بعد الدكتوراه في مركز IBS لفيزياء المناخ: «إن إعادة البناء القائمة على المناخ لسلالات البشر تشبه إلى حد كبير التقديرات الأخيرة التي تم الحصول عليها من البيانات الجينية أو تحليل الاختلافات المورفولوجية في الإنسان أحافير، مما يزيد من ثقتنا بالنتائج».
«عندما نظرنا إلى البيانات من المجموعات الرئيسية الخمس لأشباه البشر، اكتشفنا نمطًا مثيرًا للاهتمام. فضل البشر الأفارقة الأوائل الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و 1 مليون سنة الظروف المناخية المستقرة، حيث اقتصرت على الممرات الضيقة نسبيا الصالحة للسكن. بعد انتقال مناخي كبير، قبل حوالي 800،000 سنة، مجموعة معروفة تحت المصطلح العام Homo heidelbergensis تكيفت مع مجموعة أوسع بكثير من الموارد الغذائية المتاحة وتمكنت من أن تصبح مسافرين عالميين. لقد وصلوا إلى مناطق نائية من أوروبا وشرق آسيا «، أوضح إلكه زيلر، المؤلف المشارك للدراسة وطالب الدكتوراه في جامعة بوسان الوطنية.
من جانبه، حذر كيونغ سوك يون، الباحث في مركز IBS لفيزياء المناخ، من أن هذه المحاكاة «ولدت 500 تيرابايت من البيانات، وهو ما يكفي لملء عدة مئات من محركات الأقراص الصلبة»، حيث أنها «أول محاكاة مستمرة مع نموذج مناخي حديث يغطي الأرض التاريخ البيئي لل مليوني سنة الماضية, و يمثل الاستجابات المناخية لزيادة و تناقص الصفائح الجليدية, و للتغيرات في تركيزات غازات الدفيئة في الماضي».
قال كريستوف زوليكوفر، المؤلف المشارك للدراسة والأستاذ في جامعة زيورخ (سويسرا): «توضح دراستنا بوضوح قيمة النماذج المناخية التي تم التحقق منها جيدًا في معالجة الأسئلة الأساسية حول أصولنا البشرية»؛ بينما أكد تيمرمان أن هذا البحث أشار إلى أن» لعب المناخ دورًا رئيسيًا في تطور نوع Homo لدينا. نحن ما نحن عليه لأننا تمكنا من التكيف لآلاف السنين لإبطاء التغيرات في المناخ الماضي».
استمر في القراءة